×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

ما تبقى من جنون القذافي !!


كان طبيعياً أن يتهم العقيد معمر القذافي شعبه بالجنون وتناول المخدرات عندما رفعوا أمامه شعار التغيير وذلك لسبب بسيط هو: إن رجلاً بهذا المستوى من اللاوعي استطاع أن يحكم شعباً لمدة 42 عاماً مارس خلالها كل اخلاقيات الخروج عن المألوف .. وما لا يتفق مع الطبيعة البشرية.. وما لا يتفق مع نظام الدولة وحقوق الإنسان. ومارس اختطاف بلد وشعب وثروة إلى عالمه ونرجسيته وجنونه.. كان طبيعياً ان يصف أمة تركته لهذه المدة دون رادع بأنها أمة مجنونة ومخدرة !!
هكذا جاءت صدمة الرجل الذي كان تحليله منطقياً في نظري إذا ما أخذنا بمبدأ المعادلة وحجم الممارسة قياساً بالفترة الزمنية .في حين يقول الواقع: إن الشعب قد افاق من كل المؤثرات العقلية التي حقن بها القذافي أدمغة شعبه .لكنها معادلة يرفضها جنون الرئيس !!
قبل عدة سنوات كتبت عن "العقدة والعقيد" وقلت ان رجلاً يحكم ليبيا تحت حراسة النساء يدرك جيداً أن ثقافته الضحلة وجنون العظمة لا تؤهله للتعامل مع الرجال من ناحية الثقة والممارسة. بقدر ما تجعله ملفتاً للأنظار في وضع مختلف في مناسباته الخاصة والعامة !!
غير أن الليبيين قد أصبحوا يشعرون بالضيق والحرج من الشعوب الأخرى عندما يبرز إلى المشهد رئيسهم الذي يختلف في مواصفاته ومنطقه وخطابه.
لقد التقيت مع عدد من الطلاب الليبيين ونحن ندرس الماجستير وأحدهم وزير سابق في الحكومة الليبية قال إنه استقال بعد عامين فقط وآخرون يشغلون مناصب قيادية في عدد من المرافق.. وكانت تدور بيننا بعض النقاشات أثناء فترة الفراغ في قاعة المحاضرات.. وكانوا على مستوى من الوعي والثقافة العالية والأخلاق الحميدة التي تؤكد لك أن هؤلاء نموذج شعب ليس امتداداً لمفهوم وثقافة قائده بقدر ما يشعرون بالألم والخوف والإحباط.
نعم لقد أسر لي أحد أولئك الزملاء أن تحركاتهم مراقبة خارج وطنهم. في تفسير على أن أي لقاء مع جنسيات من غير أبناء جلدتهم يعني بالدرجة الأولى اتهامهم بالعمالة !! على انهم قد واجهوا الكثير من المعاناة من أجل السماح لهم بالالتحاق بالدراسة خارج ليبيا!!
وبالتالي فإن انتفاضة الشعب الليبي التي نشهدها اليوم هي نتيجة إفرازات الظلم والمصادرة وحرمان الليبيين من حقوقهم. حتى في التأهيل والتعليم. ليصل بهم إلى تهمة المخدرات. ويقذفهم بالكلمات النابية التي لا تليق بأمة لها حضارتها وقيمها وهي ثروة اعتقلها القذافي لفترة طويلة من الزمن في خيمة الجنون وثيابه "المزركشة" بكل الألوان المتناقضة وهو ما يؤكد أن العقيد لديه "عقدة" فرض الانغلاق على المجتمع الليبي حتى لا ينفتح على ثقافات الشعوب الأخرى ومعرفة الفوارق في نمط السياسة والحياة الاجتماعية.
وأمام المشهد الليبي يقف العالم ما بين الحزن على أرواح الضحايا .. ومسرحية الرئيس الذي كان قد فقد عقله منذ زمن بعيد.. وهو يجسد اليوم قصة ملك ملوك افريقيا مع مسيرة السياسة والحياة والناس و(نزق) لا ينتمي إلى أدبيات قيادة أي "قطيع" من غير البشر.
ولكنه يدرك جيداً أنه وإن فلت من عقوبة شعبه فإنه لن يفلت من القانون الدولي كمجرم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.. وهو مصير واجهه ميلوسوفيتش الرئيس الصربي السابق وبعده كرادتش. ومن ثم فإن القذافي ربما يتجه إلى خيار الانتحار في الوقت الذي يريد أن يرى ليبيا وقد أصبحت "جمرة حمراء" حسب قوله. وهنا قمة الجنون !!


ناصر الشهري
مدير تحرير صحيفة البلاد
 0  0  2616