×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

العقوبات الإلهية

التحرير
بواسطة : التحرير


العقوبات الإلهية


الحمد لله العليم الخبير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه المصير يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
أيها المسلمون
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فمن اتقى الله وقاه ومن توكل عليه كفاه ومن لجأ إليه آواه وحماه ومن دعاه أجابه وأعطاه
أيها المسلمون
إن لله تعالى سننا قد بينها في كنابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه السنن لا تحابي أحدا ومن هذه السنن أن ما يصيب العباد من العقوبات إنما هو بسبب ذنوبهم وما كسبته أيديهم والله لا يظلم عباده بل العفو أحب إليه من العقوبة قال الله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم وعفو عن كثير ) وقال سبحانه ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )
وتأمل قوله سبحانه في الآية الأولى ( ويعفو عن كثير ) وقوله في الآية الثانية
( ليذيقهم بعض الذي عملوا ) ولم يقل كل الذي عملوا ليتبن يا عباد الله رحمة الله بعباده حتى حال نزول عقوبته
قال الله تعالى ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا )
ثم بين سبحانه الحكمة من هذه العقوبات فقال ( لعلهم يرجعون ) أي يرجعون إلى الله ويرجعون عن ظلمهم ويتوبون إلى الله ويستغفرونه
قال سبحانه ( وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )
وعند ظهور المعاصي العامة فإن الأمة تعذب بمجموعها قال تعالى ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )
أيها الأخوة : وهل علمتم أن أحدا أكرم على الله من نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وهل سمعت آذانكم جيلا أفضل الصحابة الكرام رضوان الله عليه جميعا ثم أليس الجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى
لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم يوم أحد مجاهدين في سبيل الله ولسان حال
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنما وجوارا
ومع ذلك أصاب المسلمون ما أصابهم بسبب مخالفة الرماة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كسرت رباعيته وشج وجهه ودخلت حلقتا المغفر في وجهه الطاهر وقتل سبعون من أصحابه وقتل عمه حمزة ومثل به المشركون وأكلت هند بنت عتبة كبده رضي الله عنه .
وعندما تعجب الصحابة مما نزل بهم وسألوا كيف حل بنا هذا جاء الجواب من الله الكبير المتعال واضحا صريحا ليبقى درسا للأمة تتلقاه جيلا بعد جيل ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير )
ولما ذكر الله مصارع الغابرين في أمم قد خلت من قبلكم قال سبحانه ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
وقال سبحانه ( وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين . فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين )
وقال جل ذكره ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإليّ المصير)
وعندما تستخف القلوب بعقاب الله وتزداد النفوس طغيانا وظلما ويصبح صوت الناصحين لا يجد من يسمعه أو يعقله ( أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون )
(ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر )
عندها يحل قول الله ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ... ) ولا إله إلا الله ما أشد انتقام الله
روى مسلم في صحيحه من حديث زينب رضي الله عنها قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه يقول ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها قالت فقلت أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث
ومعنى كثر الخبث : أي كثرت المعاصي
قال ابن القيم رحمه الله
وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع وبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحا وبالجنة نارا تلظى وبالإيمان كفرا وبموالاة الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش وبلباس الإيمان لباس الكفر والفسوق والعصيان فهان على الله غاية الهوان وسقط من عينه غاية السقوط وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه ومقته أكبر المقت فأرداه فصار قوادا لكل فاسق ومجرم رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتي على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكم جميعا ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة
ما لم يجمعه على أمة غيرهم ولإخوانهم أمثالها وما هي من الظالمين ببعيد وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارا تلظى وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق والأرواح للحرق وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم وما الذي بعث على بنى إسرائيل قوما أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علو تتبيرا وما لذي سلط عليهم بأنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ومرة بجور الملوك ومرة بمسخهم قردة وخنازير وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب عن جبير بن نفير عن أبيه قال لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكى فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلي ما ترى " أ . هـ
وانظروا إلى المعاصي الظاهرة فهذه حدود الله يستخف بها وأوامر الله يتهاون بها دعوات للاختلاط ومنتديات نسائية وجرأة على العلماء تلميع للساقطين تهاون بالصلوات وخيانة للأمانة في أماكن متعددة وحتى في مجال الأسرة ضعف القوامة وغيرها





الخطبة الثانية


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
عباد الله
وعند نزول هذه العقوبات وتتابع الفتن ينبغي على المسلمين أن يتوبوا إلى الله تعالى وأن يستغفروه ( ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون )
وقال سبحان ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون . فقطع دار القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )
فلولا كانت قرية آمن فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين)
وكذلك يجب التواصي بالحق والتواصي بالصبر قال تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
وقال سبحانه ( وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )
وعن تميم بن أوس الداري قال قال صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة قلنا لمن يارسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )
وعند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحل عذاب الله ونقمته فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم )
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لحلول اللعنة قال الله تعالى " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بماعصوا وكانو يعتدون كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون "
بواسطة : التحرير
 0  0  2527