تربية الأبناء
تربية الأبناء
الحمد لله ( يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحابته والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
عباد الله : اتقوا الله تعالى واعبدوه واتقوا مواضع سخطه وبادروا طلب رضاه .
أيها المسلمون : إن للوالدين حقوقاً لا تنكر وصنائع معروف يجب أن تذكر وتشكر فهما سبب وجود المرء بعد الله تعالى وقد أمر الله بعبادته والإحسان إلى الوالدين فقال : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً .......... )
وإذا تقرر أن للوالدين حقوقاً فإن عليهم واجبات يجب أن يؤدونها كاملة غير منقوصة نحو أبنائهم فقد جعل الله الأبناء زينة الحياة الدنيا ، قال الله تعالى ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخيرٌ أملا )
وهم فتنة واختبار قال تعالى ( واعلموا أنما أولادكم وأولادكم فتنةٌ وأن الله عنده أجرٌ عظيم ) بل حذر من فتنتهم وأخبر أن بعض الأبناء قد يكون عدواً لأبيه فقال ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم ... )
واعلموا يا عباد الله أنكم مسئولون عند ربكم عن أبنائكم ، فأعدوا لسؤال الله جواباً قال صلى الله عليه وسلم ( والرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته ) وقال صلى الله عليه وسلم ( ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) .
واعلموا أن هناك آداباً ينبغي تعلمها والتأدب بها ، فمن هذه الآداب :
الأدب الأول : حسن اختيار الزوجة في الأصل :
فإذا كانت صالحة نشأوا على الصلاح وإن كانت غير ذلك فسدوا ، ولذلك ينبغي اختيار الزوجة على أساس من الصلاح والدين .
يقول أحد الشعراء مبيناً فضله على أولاده :
وأول إحساني إليكم تخيري ***لماجدة الأعراق بادي عفافها
وقد قال صلى الله عليه وسلم ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ).رواه مسلم
الأدب الثاني : احتساب الجهد والمال الذي ينفق عليهم :
فإنه لابد للإنسان من أن يبذل لأولاده وأهل بيته من النفقة ومن الجهد ة والمال ومن الوقت فينبغي أن يحسن النية في ذلك حتى ينال الأجر من الله تعالى ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أنفق الرجل على أهل بيته نفقة يحتسبها كانت له صدقة ).
ثم ينبغي به أن يجتهد في الإنفاق عليهم بما يحتاجون من غير تقتير ولا إسراف فإنه إن أقتر عليهم أحوجهم إلى مسألة الناس وأشعرهم بالحرمان وإن أسرف عودهم على البطر والتبذير والطغيان.
الأدب الثالث : الأمر بالصلاة لسبع والضرب عليها لعشر :
فإن الصلاة من أعظم حقوق الله على عباده ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهو أبناء عشر سنين وفقوا بينهم في المضاجع )
فينبغي الحرص على ذلك لأن المسلم مأمور بأن يقي نفسه وأولاده من النار ، قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ...... )
ولا ينبغي إهمال أمرهم بالصلاة بدعوى أنهم سيصلون عندما يكبرون فإن هذا خلاف السنة ثم إنه قد لا يحدث أن يتعودوا على الصلاة في كبرهم بل يجب تعويدهم منذ الصغر ، يقول الشعر :
وينشأ ناشئ الفتيان منا ** على ما كان عوده أبوه
الأدب الرابع : تنشئتهم على العقيدة الصحيحة وتعميق صلتهم بالله تعالى :
وهذا من أهم الجوانب التي ينبغي للوالدين الاهتمام بها فإنهم إذا لم ينشؤوا على العقيدة الصحيحة فلا خير فيهم وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجانب حيث قال لعبد الله بن عباس رضي الله عنه وكان غلاماً ( يا غلام إني أعلمك كلمات : (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف )
فانظر كيف اهتم النبي الكريم بترسيخ العقيدة الصحيحة عند هذا الغلام وأراد أن يعلمه تجريد العبودية لله وحده وأن يربطه بالله ويعوده ألا يخاف إلا من الله تعالى وكذلك علمه الإيمان بالقدر فهكذا ينبغي أن تكون التربية الصحيحة .
الأدب الخامس : تعويدهم على السلوك القويم وتصحيح الأخطاء :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عمرو بن سلمة وكان غلاما في حجره ويده تطيش في صحفة الطعام قال له ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) فقد حرص النبي الكريم على تقويم سلوك الصبي وتعويده على التصرفات السليمة .
وبعض الناس يهملون أولادهم جداً فلا يبالون بتقويم أخطائهم وذلك بزعم أن الطفل عندما يكبر فسوف يتعلم كل شيء بنفسه ويصحح أخطاءه وفاتهم أن الطفل إذا تعود عادة صار من الصعب الإقلاع عنها.
الأدب السادس : العدل بين الأولاد :
أي عدم التفرقة بينهم في المعاملة وفي النفقة فإن هذا يجر البلايا ويفتح باب العداوة بين الإخوة ثم إنه ظلم وقد أتى النعمان بن بشير بأحد أبنائه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أعطاه عطاءً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أكلّ ولدك أعطيته مثل هذا قال لا فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أشهد على جور اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم .
الأدب السابع : ملاطفتهم ومداعبتهم وتقبيلهم :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب الصبيان ويلاطفهم وكان يحمل أمامه بنت زينب في الصلاة وكان يقبل الحسن والحسين ويقول هما ريحانتي من الجنة ويقول للأقرع بن حابس الذي يقول لي عشرة أبناء ما قبلت أحدهم ( أوَأملك أن نزع الله الرحمة من قلبك ) ويقول ( من لا يرحم لا يرحم ).
الأدب الثامن : الحزم معهم عند الحاجة :
لأن من أمن العقوبة أساء الأدب فينبغي للإنسان أن يري أهل بيته وأولاده أنه حازم وشديد إذا احتاج الأمر إلى ذلك وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم ( واضربوهم عليها لعشر ... ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم ) فالتربية الصحيحة ينبغي أن تكون وسطاً بين اللين والشدة.
الأدب التاسع : تعليمهم ما ينفعهم من علوم الدين والدنيا:
وهذا من الواجبات على الوالدين أن يحرصا على تعليم أبنائهم ما ينفعهم من علوم الدين التي لا بد لهم منها ويرشدانهم إلى تعلم ما ينفعهم وينفع المسلمين مع تنبيههم إلى وجوب إخلاص النية في ذلك .
الأدب العاشر : الصبر على البنات والإحسان إليهن :
وإنما لزم التنبيه على هذا لأن بعض الناس إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم وهذا لا يليق مع الله أبداً بل إن العاقل يفرح ويعلم أن الله قد أرسل إليه هدية عظيمة لأنه إذا صبر على هؤلاء البنات وأحسن تأديبهن وتربيتهن كنّ له حجاباً من النار ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم ( من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ) ، وقال صلى الله عليه وسلم ( من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن كن له حجاباً من النار يوم القيامة ).
الأدب الحادي عشر : تقديم القدوة الحسنة :
فينبغي للوالدين أن يكونا أمام أولادهما قدوة حسنة في كل ما يأمران به فإنهما لو تصرفا بخلاف ما يقولان فلن يكون لكلامهما قيمة وسوف تنهار عملية التربية من أساسها بل يجب أن يكون الوالدان هما القدوة في الأدب والصدق والتقوى والتدين والأمانة وكيف ينهى الوالد ولده عن التدخين وهو يدخن وكيف ينهاه عن تتبع أعراض المسلمين وهو يفعل ذلك قال الله تعالى: ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ).
كحامل لثياب الناس يغسلها ** وثوبه غارق في الرجس والنجس
الأدب الثاني عشر : إلزام البنات بالحجاب :
الذي أمر الله به حيث قال سبحانه ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) فهذا الحجاب الإسلامي الذي يستر جميع بدن الفتاة فيه الحفاظ على دينها وشرفها وكرامتها وعدم تعرضها للأذى وعدم طمع أحد فيها فالواجب إلزامها به مع إقناعها بوجوبه شرعاً وينبغي أن يتأكد الوالدان من التزامها به أما أن تترك البنت حتى تكبر كي تقتنع بنفسها فإنه كلام ساقط وقد لا تقبل إلزامها به مستقبلاً.
الأدب الثالث عشر : عدم الدعاء على الأولاد :
فقد يحدث أن يتسبب الأولاد في بعض المشاكل لوالديهم أو يسببوا بعض الإزعاج أو الأذى وحينئذٍ يتعجل بعض الآباء أو الأمهات فيدعون على أولادهم سواء بالموت أو بالمرض أو غير ذلك ، وهذا لا يجوز فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم ).
والأولى أن يدعوا الوالدان للأولاد فقد قال الرحمن عن عباده ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم .
((((((((( الخطبة الثانية ))))))))))
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين ولا عدوان إلا الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد :
عباد الله وإن من نعم الله تعالى على العبد أن يرزقه ذريةً صالحةً ينتفع بها في الدنيا والآخرة فقد قال صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له ).
قال الله تعالى : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئٍ بما كسب رهين ) وكان من دعاء زكريا عليه السلام ) رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (.
وإن مما ينبغي التنبيه عليه أيها الآباء أن تمنعوا أبناءكم من مجالسة قرناء السوء فإنهم قطاع الطرق إلى الله وكم تمنى والد أن يكون عقيماً لم يعرف الأبناء بسبب جلساء ولده ) أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ... (.
فكم من شاب ذهب عرضه أدراج الرياح بسبب جليس وكم من تولد تورط في المخدرات والمحرمات بسبب جلسائه ، ألا فاتقوا الله في أبنائكم واختاروا لهم جلساء صالحين يدلونهم على طاعة ربهم وطاعة والديهم فإن في ذلك نجاة لكم في الدنيا وخلاصاً لكم عند الله تعالى .
ثم صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين ..