×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

مقال: تلك التي لانطيق

التحرير
بواسطة : التحرير
كان لعبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - ، وفي ذات يوم دخل عمّال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير ، فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق
من عبدالله ابن الزبير ابن حواري رسول الله وابن ذات النطاقين إلى معاوية ابن هند ابن آكلة الأكباد أما بعد ...
فإن عمالك دخلوا إلى مزرعتي فمرهم بالخروج منها ، أو فوالذي لا إله إلا هو ليكوننّ لي معك شأن
فوصلت الرسالة لمعاوية وكان من أحلم الناس فقرأها ، ثم قال لابنه يزيد :
ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني ؟
فقال له ابنه يزيد : أرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه
فقال معاوية : بل خيرٌ من ذلك زكاة وأقرب رحما
فكتب رسالة إلى عبدالله بن الزبير يقول فيها:
من معاوية بن هند ابن آكلة الأكباد إلى عبدالله بن الزبير ابن حواري رسول الله وابن أسماء ذات النطاقين
أما بعد ...
فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلمتها إليك ..
ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك ..
فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك ...
فإن جنّة الله عرضها السموات والأرض .
فلما قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بلها بالدموع وسافر إلى معاوية في دمشق وقبّل رأسه وقال له :
لا أعدمك الله حلماً أحلك في قريش هذا المحل
بعض الأمثلة العملية لتسامح ابن تيمية :
(أ) موقف ابن تيمية من خصمه علي بن يعقوب البكري الصوفي .
ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة مختصرة بعنوان ( الاستغاثة) وهي رسالة علمية بالأدلة الشرعية في حكم الاستغاثة، وكان الأليق بالعلماء الذين يختلفون معه أن يتصدوا لمثل هذه المسألة بالدليل والبرهان العلمي بعيداً عن التكفير والحكم بالزندقة والشتائم والسباب.
لكن الشيخ الصوفي علي البكري كان رده على هذه الرسالة بالحكم على شيخ الإسلام ابن تيمية بالكفر والزندقة والخروج عن ملة الإسلام!
ولم يكتف الشيخ الصوفي البكري - عفا الله عنا عنه - بمجرد التكفير بل بالغ في إيذاء ابن تيمية بالقول والعمل، فقد قام باستعداء العوام على الشيخ وحرض الجند وأصحاب الدولة على شيخ الإسلام وشهر به وأقذع الشتيمة في حقه .
وكان الشيخ الصوفي البكري من أشد الصوفية على شيخ الإسلام ابن تيمية، ففي محنة الشيخ مع الصوفية سنة 707هـ حول قضية الاستغاثة طالب بعضهم بتعزير شيخ الإسلام، إلا أن الشيخ البكري طالب بقتله وسفك دمه!
وفي سنة 711هـ تجمهر بعض الغوغاء من الصوفية بزعامة الشيخ البكري وتابعوا شيخ الإسلام ابن تيمية حتى تفردوا به وضربوه، وفي حادثة أخرى تفرد البكري بابن تيمية ووثب عليه ، وبالغ في إيذاء ابن تيمية !
في المقابل تجمع الناس وشاهدوا ما حل بشيخ الإسلام من أذية وتعدي فطلبوا الشيخ البكري فهرب، وُطلب أيضاً من جهة الدولة فهرب واختفى، وثار بسبب ما فعله فتنة، وحضر جماعة كثيرة من الجند ومن الناس إلى شيخ الإسلام ابن تيمية لأجل الانتصار له والانتقام من خصمه الذي كفره واعتدى عليه .
والسؤال هنا : ما هو موقف شيخ الإسلام من هذا الرجل الذي كفره وحكم عليه بالزندقة ثم وثب عليه وضربه ؟
حينما تجمع الجند والناس على ابن تيمية يطالبون بنصرته وأن يشير عليهم بما يراه مناسباً للانتقام من خصمه البكري الصوفي؛ أجابهم شيخ الإسلام بما يلي :
" أنا ما أنتصر لنفسي " !!
فماج الناس والجند وأكثروا عليه وألحوا في طلب الانتقام؛ فقال لهم :
" إما أن يكون الحق لي، أو لكم، أو لله ، فإن كان الحق لي فهم في حل، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني؛ وافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه كما يشاء ومتى يشاء".
ولما اشتد طلب الدولة للبكري وضاقت عليه الأرض بما رحبت هرب واختفى أتدرون عند من اختفى ؟
هرب واختفى في بيت ابن تيمية وعند شيخ الإسلام لما كان مقيماً في مصر، حتى شفع فيه ابن تيمية عند السلطان وعفا عنه!!!
ب) موقف ابن تيمية من بعض خصومه لما بلغه وفاتهم .
الإنسان في الغالب يفرح إذا سمع بموت أحد خصومه، وأحيانا يتشفى بذلك !
لكن ابن تيمية يختلف عن هؤلاء .. لقد بلغه يوماً وفاة أشد خصومه عداوة له وهجوماً عليه، بلغه ذلك عن طريق أقرب تلاميذه له، فماذا كان موقف شيخ الإسلام ابن تيمية ؟
يقول عنه تلميذه البار الإمام الحافظ ابن قيم الجوزية :
كان يدعو لأعدائه، ما رأيته يدعو على واحد منهم، وقد نعيت إليه يوماً أحد معارضيه الذي كان يفوق الناس في إيذائه وعدائه، فزجرني، وأعرض عني، وقرأ : "إنّا لله وإنا إليه راجعون" وذهب لساعته إلى منزله، فعزى أهله، وقال : " اعتبروني خليفة له ، ونائباً عنه، وأساعدكم في كل ما تحتاجون إليه" وتحدث معهم بلطف وإكرام بعث فيهم السرور، فبالغ في الدعاء لهم حتى تعجبوا منه
الله أكبر ... من يطيق ما تطيقه يا ابن تيمية ؟!
قال عنه ابن مخلوف وكان من أشد أعداء شيخ الإسلام ابن تيمية ثم أدهشته روعة أخلاق شيخ الإسلام فقال " ليتنا لأصحابنا كابن تيمية لأعدائه "
وصدق الله (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم )
إن العفو والصفح وسلامة الصدر تظهر في مواقف محددة امتحانا للإنسان واختبارا له
والحديث عن العفو والحلم تحبه النفوس ولكن العاملون به قليل ولنتذكر حديث ابن عمر عندما قال له الصحابي الذي بشره رسول الله  بالجنة ثلاث مرات " إني لا أنام وفي قلبي حقد ولا حسد لأحد " فقال ابن عمر تلك التي لا نطيق
إن عمق الصلة بالله وحده والثقة به سبحانه وصدق الرغبة فيما عنده و اللجوء إلى الله وطلبه أن يوفق العبد لحسن الخلق وإن معاشرة أصحاب الأخلاق العالية وقراءة سيرهم ومجاهدة النفس في مواطن الابتلاء وتعويدها على الصفح والعفو وتذكر ما أعده الله للعافين عن الناس والكاظمين الغيظ ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) ( جنة عرضها السماوات والأرض )وتذكر النتائج السلبية التي قد تترتب على الانتقام طرق لعلها تنفع في تحصيل هذا الخلق الرفيع .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت
بواسطة : التحرير
 0  0  2948