×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

ساهر وسفر القوافل

ساهر وسفر القوافل


لم تكد فرحتنا تكتمل بازدواج بعض الطرق الرئيسة في المملكة حتى اغتالت لوحات تحديد السرعة الجديدة التي وضعها المرور تمهيداً لتطبيق نظام ساهر هذه الفرحة , قبل هذه اللوحات كنت أسافر من قريتي إلى أقرب مدينة في ساعة ونصف بسرعة لا تتجاوز 100كلم / ساعة أما بعد لوحات ساهر فسأحتاج على الأقل إلى ثلاث ساعات لنفس المشوار بالتمام والكمال.وكأن ساهر يقول لنا لقد ولى زمن السفر بالسيارة وعليكم العودة إلى السفر بالقوافل فالدواب هي الوحيدة القادرة على التقيد بهذه السرعات!
لا يشك أحد أن السرعة سبب رئيس للحوادث المرورية , وأن نظام ساهر الجديد نظام حضاري وفعال ومتكامل بل وضروري لضبط نظام السير وتقليل الحوادث والخسائر الناجمة عن الحوادث المرورية التي تعود في أكثر الأحيان إلى السرعة , غير أن المشكلة في تطبيق النظام لا في النظام نفسه , لأن القائمين عليه يريدون أن ينقلوا المجتمع فجأة من الفوضى إلى الانضباط , وهذا يكاد يكون مستحيلا في علم إدارة التغيير , لأن تطبيق أي نظام يحتاج إلى أمور كثيرة منها :تهيئة البيئة المناسبة للتطبيق , والتدرج المناسب الذي يجعل الناس يتقبلونه بارتياح ,وكما يقال في حكم العرب أكل التمر حبة حبة).
على طريق الطايف أبها المزدوج الجديد تم تحديد السرعة القصوى في بعض المواقع ب 30 كلم/ ساعة , ومع إن كاميرات ساهر غير موجودة إلى الآن , فقد حاولت أن التزم بهذه السرعات فما استطعت فما إن تضع قدمك على دواسة البنزين إلا وقد تجاوزت السيارة السرعة المحددة , وكأن النظام يريد أن يقول لي : (خالف غصباً عنك) وأنا هنا أخاطب رجل المرور الذي وضع هذه اللوحات أو أقرها بهذه التساؤلات:
1 ـــ إذا كان الطريق بهذا السوء ومعدات المقاولين ما زالت تعمل فيه , فأين دورك الوقائي قبل التنفيذ؟ لماذا لم تقدم اعتراضك لوزارة النقل حين أقرت هذه المنعطفات الخطرة التي لا يصلح أن تزيد السرعة فيها عن 30 كلم؟
2 ـــ ما الدور الذي قام به المرور لمعالجة مشكلة تأخر بعض مشروعات الطرق في جميع أنحاء المملكة؟ وتوقف بعضها من أجل بناء شعبي متهالك بحجة الأملاك الخاصة مع إنه قد تم نزع ملكية 40 متراً بعرض الشارع منذ أكثر من 25 سنة؟
3 ـــ ما الدور الذي قام به المرور لمعالجة مشكلة تصريف المياه في الشوارع الرئيسية التي نفذتها البلديات والأمانات في المدن ؟
4 ــ ما الدور الذي قام به المرور لحث وزارة النقل على ازدواج مئات الآلاف من الكيلومترات من الطرق التي لا تزال مفردة؟
هذه التساؤلات وغيرها إما أن يكون لها إجابة لا نعرفها كما أننا حتى اليوم لا نعرف الكثير عن نظام ساهر , وهذه مشكلة في حد ذاتها , أو لا يكون فيكون المرور ما يزال يحتاج إلى ما هو أهم من تطبيق العقوبات الصارمة بحق المخالفين دفعة واحدة.
وإذا كنا نطالب بالتدرج في تطبيق النظام نفسه , فإننا نطالب من جهة أخرى بالتدرج في تطبيق العقوبات فتكون المخالفة الأولى غير قطع الإشارة تنبيه على جوال السائق , وإذا تكررت المخالفة فتبدأ العقوبات المالية بالتدريج أيضاً , على أن يلغى شرط التضاعف لعدم التسديد , ويربط التسديد بدلاً من ذلك بتجديد الرخصة والاستمارة وما شابههما بحيث يكون لدى نظام ساهر القدرة على كشف الاستمارات التي انتهت صلاحيتها آلياً.
إذا كنا قد اتفقنا على أن نظام ساهر نظام فعال وضروري ومهم من ناحية الفكرة , فإن سوء تطبيقه , والصرامة الحادة في ذلك أكبر ما يهدد بفشل النظام فالقاعدة تقول: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع , وذلك أن سوء التطبيق قد يحمل الناس على فعل أشياء قد تؤدي إلى إلغاء تطبيقه في نهاية الأمر , وهذا ليس في مصلحة المرور من جهة , ولا مصلحة المواطن المستفيد من نظام ساهر من جهة أخرى ومن هذه الاحتمالات :
1 ـــ زيادة الاعتداءات على سيارات وكاميرات النظام في الشوارع من قبل بعض المراهقين والمتهورين وهذا ليس احتمالاً بل بدأ يحصل بالفعل.
2 ـــ زيادة الضغط الشعبي للمطالبة بإلغاء هذا النظام.
3 ـــ زيادة المخالفات الأمنية من أجل التخلص من كاميرات ساهر , ومن ذلك ازدياد سرقات لوحات السيارات وتشويهها وتغييرها , ولا يخفى على أحد ما في ذلك من مخاطر أمنية.
4 ــ إحجام الناس عن تسديد مخالفات ساهر مهما وصلت تراكماتها.
إن التوازن في تطبيق ساهر هو الضمان الوحيد ـ بعد الله ــ لا ستمرار بقاء هذا النظام , لأن قيادة هذا البلد الرحيمة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لن ترضى بأي شيء يثقل كاهل المواطن , ويعمل على التربص به ومتابعة عثراته كما يفعل نظام ساهر , وخاصة أن المواطن البسيط الذي ما زال يجهل الكثير عن ساهر ما يزال يجهل إلى اليوم أين تذهب المبالغ الكبيرة التي يحصلها من جيوب السائقين
.


بقلم الأستاذ
عبدالله بن مرعي الشهري
 0  0  7714