×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الإعلام من محدودية التأثير إلى تشكيل الرأي العام

الإعلام من محدودية التأثير إلى تشكيل الرأي العام



لقد كان للإعلام القديم اتجاه واحد، ومن المعلوم أن عناصر العملية الإعلامية ثلاثة ، مؤثر ومتأثر ووسيلة تأثير، فكان الإعلام سابقا مؤثراً، والمتلقي متأثراً، والوسيلة الإعلامية المستخدمة إما صحافة أو تلفاز أو إذاعة، وفي كل الحالات الثلاث يبقى المتلقي متأثراً، بشكل سلبي، وقليلا ما كان يؤثر في صناعة المحتوى، اللهم إلا في بعض الحالات القليلة التي يلجأ فيها كاتب ما إلى محاولة كسب رضا الجمهور فيكتب ولو عن غير قناعة في شأن من الشؤون أو أمر من الأمور العامة نزولاً عند رغبة الجماهير ومسايرة لتوجهها فيكتب هكذا، وهذا في حكم القليل من وجهة نظري.
لذلك كان لهذه الوسائل الإعلامية أهمية كبيرة في صياغة وتشكيل الرأي العام في أي قضية، هذا كان في السابق، فما ذا عن الوقت الحاضر؟
لقد حصل تحول مذهل في وسائل الاتصال خلال العقد الأخير، وقد لامس الوسيلة الإعلامية بشكل مباشر، الأمر الذي أعاد صياغة المعادلة السابقة من مؤثر ومتأثر إلى مؤثر و متأثر مؤثر في نفس الوقت، وحتى يكون الطرح أكثر بساطة ووضوحا، فسوف أضرب مثالا، ومنه يمكن أن نعمم المسألة.
لقد كان الكاتب في الجريدة الورقية سابقا، يكتب مقالًهُ ثم يلقيه على أعين الناس فتتلقاه بقدر كبير من السلبية، فيستوي المؤيد والمعارض من حيث ردة الفعل على المقال أمام الكاتب نفسه، ولم تكن هناك وسائل معينة لقياس مدى تقبل القراء لكاتب وعدم تقبلهم لآخر؟ إلا من خلال التعقيبات التي ترسل إلى الجريدة ذاتها، وكم هو عدد الأشخاص الذين سيرسلون تعقيبهم إلى الجريدة سواءً كان التعقيب مؤيدا لمقال من المقالات أم معارضا؟
هنا يتضح أن الكاتب الصحفي كان تأثيره كبيرا في السابق، وقس عليها المحرر الذي يحرر الخبر والمسؤول الذي يصرح في الجريدة ورسام الكاريكاتير والمحلل السياسي...الخ
فما الذي تغير الآن؟
لقد أصبح لأغلب الصحف الورقية إن لم يكن جميعها مواقع إليكترونية، ومع ثورة التدوين وخروج المدونات والصحف الإلكترونية والنقلة التي أحدثها الإعلام الجديد، في فضاء الإنترنت، أصبح لزاما على هذه المواقع الصحفية أن تتيح للقراء إمكانية التعقيب على أي موضوع يطرح أو خبر ينشر، فأصبحتَ ترى بعد نهاية المقال أو الخبر العشرات بل المئات أحيانا من تعليقات الزوار لهذه الصحيفة أو تلك!
ولعل هذا الانتقال من كون القاريء سلبيا إلى كونه إيجابيا بحيث يعلق على الموضوع وإن كان ما يزال التعليق تحت طائلة مقص مبهم، يقص أغلب ما يعارض فكرة الجريدة، أو الموقع، وأيضا محدودية المساحة المسموح التعليق فيها، حيث لا يتجاوز التعليق في بعض الصحف عددا محددا من الكلمات.
ولعل هذا الانتقال قد أسهم بشكل أو بآخر في إيصال صوت المتلقي إلى الطرف الأول في المعادلة الإعلامية المذكورة في البداية بشكل واضح،
لذلك عندما يخرج أحد المسؤولين بتصريح حول قضية ما أو أحد المحررين بخبر في زاوية أو شأن من الشؤون، ثم يجد التعليقات جميعها تخالف فكرته أو تنفي ما يطرحه فإن هذا يجعل مصداقيته على المحك! الأمر الذي يجعله يفكر ألف مرة بعد ذلك قبل أن يكتب خبرا أو يصوغ مقالة.
هذا التغير يجعل المتلقي سواءً كان ذلك المواطن البسيط أم الأكاديمي أم طالب الجامعة أو منتميا إلى أي شريحة من شرائح المجتمع يجعلهم أمام المسؤولية، وعليهم أن يكونوا على قدر كاف من هذه المسؤولية، للتعليق بشكل إيجابي على القضايا التي تمسهم وتمس مجتمعهم بشكل مباشر، فبدلا من التعليقات الساذجة أو المكررة ينبغي أن يدلي القارئ برأيه في الموضوع بإنصاف وبدون مجاملة لأحد، فهنا يمكن أن تخرج الأغلبية الصامتة عن صمتها، ولم يعد أمامها سوى أحرف لوحة المفاتيح للتعبير عما يجول بداخلها، وعلى الكاتب أو المحرر أو أيا كان في جريدة ونحوها أن يحترم رغبة هذا القارئ وأن يحترم كيانه وهويته أيضا، فلا يستغفل القراء أو يطرح ما يصادم رغباتهم وبالأخص إن كانت هذه الرغبات في حدود المسموح به في الشريعة،
وبعض المواقع أيضا تتيح للقاريء تقييم مداخلة قارئ آخر، فتجد كل تعليق على المقال أو الخبر وبجواره كم عدد المؤيدين والمعارضين لهذا الرد، مما يجعل المسألة تبدو أكثر تفاعلا من مجرد الرد لأجل الرد فقط، بل حتى القارئ يجب أن يكون رده منطقيا، وعن قناعة مدعما رأيه بالحجج التي يراها.

ومن هنا أصبح لأي متابع للشأن المجتمعي قياس وجهة نظر الرأي العام بمجرد تتبع تعليقات الزوار على أي موضوع، والخروج بتصور أقرب للواقع أكثر من أي وقت مضى.

قفلة: لا يزال بعض الكتاب ورؤساء التحرير يعيش في خيمة الإعلام القديم، يمارس نفس الطقوس القديمة التي لم يعد يمارسها إلا هو
.



بقلم الأستاذ
علي بن عبد الله بن غالب الشهري
 0  0  8390