كيف تكتب جسد المقال ؟
جسد المقال
بعد أن ينجح (العنوان) في جذب القارئ، وتنجح (المقدمة) في تهيئته للفكرة وإقناعه بالبقاء لمعرفة النهاية، ندخل في العنصر الثالث وهو (الموضوع) أو جسد المقال ذاته..
وبطبيعة الحال لن يخبرك أحد بوجود حد فاصل بين هذه العناصر الثلاثة سواء في المقالات التي تكتبها أو تقرأها ولكنك ستعرف أنك غادرت "المقدمة" ودخلت في "الموضوع" حين تبدأ بالتفصيل والشرح والتحليل والاستشهاد وإخبار القارئ برأيك وموقفك!
ولتقريب الفكرة سأستعرض معكم نموذجين كتبتهما سابقا يوضحان العلاقة بين هذه العناصر الثلاثة..
ففي مقال (لماذا يكثر الطلاق في بلاد الأحباب؟) نلاحظ منذ البداية وجود عنوان جذاب ومسجوع يلفت انتباه القارئ من بين عشرات العناوين التي تمتلئ بها الصحيفة..
وبعد هذا العنوان تأتي (المقدمة) التي تمهد للفكرة وتخبر القارئ بما سنناقشه لاحقا، وتبدأ كالتالي:
هناك مفارقة حقيقية فيما يخص الزواج والطلاق بين المجتمعات الشرقية والغربية...
فالزواج في الغرب قرار شخصي وفعل فردي ويفترض وجود الحب قبل الزواج...
أما في الشرق فقرار عائلي يختار فيه الأهل الطرف المناسب اعتمادا على معايير تقليدية قد لا تدخل ضمنها العواطف المسبقة...
والعجيب أن النوع الأول يتمتع بنسبة طلاق أعلى رغم أنه قرار شخصي وخاضع لحب مسبق في حين تقل نسبة الطلاق في النوع الثاني (رغم انتفاء الخيار الشخصي وعدم وجود معرفة مسبقة بين الزوجين)...
وبعد هذه المقدمة نبدأ بالدخول في العنصر الثالث (جسد المقال) حيث تفصيل وتفسير هذه الظاهرة وإبداء الرأي حولها:
... وأنا شخصيا أرى أن اختلاف مفهوم الزواج والهدف من الارتباط هو سبب التفاوت بين نسبة الطلاق في الشرق والغرب..
فدافع زواج الأول في الغرب هو الحب والوقوع في العشق، ثم يأتي في المقام الثاني تكوين الأسرة وتربية الأطفال...
أما في المجتمعات الشرقية فالهدف الأول من الزواج هو تكوين الأسرة وتربية الأولاد والحفاظ على نسل العائلة، ثم يأتي الحب لاحقا نتيجة العشرة الجميلة بين الزوجين...
وهكذا حين يخف الحب بين الزوجين (في الحالة الأولى)، يختفي الرابط الأساسي للزواج ولا يبقى أمام الطرفين غير الانفصال بعكس الحالة الثانية .......... (إلى نهاية الموضوع)
*** *** ***
أما النموذج الثاني فمقال كتبته بعد انتهاء مباريات كأس العالم في جنوب أفريقيا تحت عنوان (أفيون الشعوب الحقيقي) .. وبعد جذب القارئ بهذا العنوان الصريح والغريب تبدأ المقدمة بالشكل التالي:
انتهت منافسات كأس العالم وانتهى معها شهر كامل من الهوس والغفلة اللذيذة..
"الهوس" لأنها الحالة الوحيدة التي تستولي فيها كرة القدم على عقول الأمم بمختلف لغاتها وثقافاتها.. و"الغفلة" لأنها الفترة الوحيدة التي تنسى فيها شعوب العالم مشاكلها الداخلية، وتغض الطرف عن كافة المشاكل والمصائب الدولية....
بعد ذلك ندخل في صلب الموضوع حيث التفاصيل وتقديم أمثلة تؤيد وجهة نظر الكاتب:
فحين استضافت ايطاليا كأس العالم عام 1934 قال موسوليني "لم اتصور أن ولاء الايطاليين لهذه اللعبة يفوق ولاءهم لإيطاليا واحزابها الوطنية، سنفعل ما بوسعنا لاستضافة البطولة القادمة"...
وبعد فوز انجلترا بكأس العالم 1966 كتب وزير الاقتصاد "هذا النصر سيخفف الضغوط على الجنيه الاسترليني ويحد من عمليات المتاجرة ضده"... وحين فازت البرازيل بكأس 1970 بكى توستاو لأنهم حسب قوله ألهوا الشعب البرازيلي وسمحوا للعسكر بتعزيز سلطتهم التي اغتصبوها للتو...
أما الجنرالات في الارجنتين ففعلوا المستحيل لاستضافة كأس العالم عام 1978، ودفعوا الرشاوى لتحقيق الفوز لمجرد صرف نظر الأرجنتينيين عنهم ....(إلى آخر الأمثلة التي تثبت رأي الكاتب)!!
*** *** ***
بقيت ملاحظة مهمة أرجو أن تتذكرها حتى النهاية؛ وهي أن معظم الكتاب يكتبون بالسليقة وبطريقة عفوية ولا يتعمدون وقد لايعون وجود هذه التقسيمات أصلا.. ولكن من يحلل ويمنهج المقالات الجيدة والمسبوكة يكتشف وجودها ويلاحظ مهارة الكاتب في الانطلاق من المقدمة حتى الخاتمة بطريقة منطقية تستحق الدراسة والاحتذاء فعلا!
وفي المقال القادم والأخير، سأخبركم بأسرار الخاتمة والقفلة النهائية.
فهد عامر الأحمدي / صحيفة الرياض