×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

المنهج الحق

التحرير
بواسطة : التحرير
المنهج الحق
الجمعة 18/ 2/1430هـ



الحمد لله الواحد الديان , يعز من يشاء و يذل من يشاء , بيده الخير و هو على كل شيء قدير , يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور , لا رب لنا سواه و لا إله لنا غيره , أشهد أن لا إله إلا هو العزيز الحكيم .
و أشهد أن محمداً عبد لله و رسوله , أحب الخلق إلى الله , و أعظمهم منزلة , صلوات الله وسلامه عليه و على آله و أصحابه و من سار على نهجه و اقتفى أثره إلى يوم الدين .
أمـــــا بعد
فاتقوا الله عباد الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً }الأحزاب70
فيا عباد الله
عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذ فإنما المؤمن كالجمل الأَنِفُ ( الجملُ الأَنِفُ الذَّلُولُ وقال أَبو سعيد الجمل الأَنِف الذّليل المؤاتي الذي يأْنَفُ من الزَّجْر ومن الضرب ) حيثما قيد انقاد . الصحيحة ( 937 )
إن هذا الحديث لهو منهج واضح , و طريق مستبين , يتضح منه طريق الحق و الصواب , و يظهر من خلاله نبذ الإفراط و التفريط , و لكي نعلم أن المصطفى (ص) نبذ الإفراط لأن فيه تجاوزاً للحد , و غلوا لا تحمد عقباه , و نبذ التفريط لأن في تهاوناً بالدين , و تركاً لبعض معالمه ,
فلنستمع يا عباد الله لهذين الحديثين , ليتبين الحق من الضلال .
أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال : " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي (ص) يسألون عن عبادة النبي (ص) فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا : وأين نحن من رسول الله (ص) ؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فقال أحدهم : أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا وقال آخر : أصوم الدهر ولا أفطر . وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ! فجاء رسول الله (ص) إليهم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " . أخرجه البخاري ( 3 / 411 )
لقد تبرأ المصطفى (ص) منهم لأنهم خالفوا منهجه , و حادوا عن طريقه , فكل حياد عن سنته (ص) فهو مخالفة للمنهج .
و عن عائشة رضي الله عنها - : أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التى سرقت فقالوا : من يكلم فيها رسول الله (ص)؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله (ص) فكلمه أسامة فقال رسول الله (ص) : أتشفع في حد من حدود الله ؟ ! ثم قام فاختطب فقال : أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأَيْمُ اللهِ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . ( متفق عليه )
لقد غضب عليه الصلاة و السلام من القوم لأنهم حادوا عن الطريق ,
و أرادوا ترك بعض شعائره , فكل إفراط و تفريط ؛ فهو حياد عن الطريق.
أيها المؤمنون
لن أتحدث اليوم عن تلك الفئة من المتحمِّسين المندفعين، الذين يصفون أصحاب المنهج الحقّ، لأنهم لم يوافقوهم على أفكارهم، ولم يسايروهم في حماسهم واندفاعهم يصفونهم بالتَّساهل والتَّهاون، وعدم الغيرة، بل وأحيانًا بالتَّنازل والممالأة . ومنشأ ذلك من جهلهم بحقيقة الوسطيَّة، مع أنهم يدَّعونها، لكنهم لا يفهمونها على الوجه الصحيح , لن أتحدث عنهم , لأن طريقهم اتضح , و فكرهم انفضح , و أصبح ضلالهم لا يخفى على أحد .
و لن أتحدث عن فئة فهمت أن الوسطيَّة تعني التَّنازل والتَّساهل، فإذا رأوا مسلمًا قد التزم الصّراط المستقيم، وسار على هدي النبوَّة، قالوا له: لماذا تُشدِّد على نفسك وعلى الآخرين ودين الله وسط؟
و من أجل هذا و ذاك سيكون الحديث عن الحق و أهله الذين أصبحوا في واقعنا المعاصر يُرمَون بالتَّطرف والغلوّ وأخيرًا بالأصوليَّة , و هم الذين التزموا بالمنهج على وجهه الصَّحيح. و البعض يطلق هذه الصفات لأغراض لا تخفى، والمشكلة أن هناك من يصدّق ما يقولون جهلا أو سذاجة , ومن أسباب ذلك الجهل بحقيقة الوسطيَّة , فحديثنا تثبتاًَ لأهل الحق , و دفاعاً عنهم , و توضيحاً لطريقهم .
عباد الله
أما الثبات على المنهج فقد سبقنا إليه محمد (ص) , و هو قدوتنا و مرشدنا و دليلنا , جاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له : يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين .
عَظُم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : يا بن أخي، إن قومك قد جاءونى فقالوا لي كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه خاذله، وأنه ضعُف عن نصرته، فقال : ( يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يسارى على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلك فيه ـ ما تركته ) ، ثم استعبر وبكى، وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فلما أقبل قال له : اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أُسْلِمُك لشىء أبدًا وأنشد :
والله لن يصلوا إليك بجَمْعِهِم ** حتى أُوَسَّدَ في التراب دفينًا
فاصدع بأمرك ما عليك غَضَاضَة ** وابْشِرْ وقَرَّ بذاك منك عيونًا
و و الله لموقف أبو طالب هذا , و هو مشرك بالله , خير من مواقف الكثير الذين يدّعون نصرة الدين , و الذب عن حياضه , و هم يهدمونه ,
و ينقضون عراه عروة عروة .
لقد كان منهج المصطفى (ص) الثبات على الحق , لم يدعو إلى الغلو بل نبذه , و لكنه مع ذلك ؛ لم يتنازل عن دينه و مبادئه , لم يعط الدنية في دينه , و دعا إلى سلوك طريقه و طريق أصحابه , و الصبر على الأذى فيه.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي . الصحيحة ( 1348 )
و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند النبي، (ص) فخطّ خطًّا، وخطَّ خطَّين عن يمينه، وخطَّ خطَّين عن يساره، ثم وضع يده على الخطّ الأوسط، فقال: "هذه سبيل الله"، ثم تلا هذه الآية: (وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [سورة الأنعام، الآية: 153]. السلسلة الصحيحة رقم (1046).
و هنا تساؤل في هذا الوقت بالذات , و تحديداً بعد نداء المتطرفين في اليمن , فلماذا يتهم أصحاب المنهج الحق ؛ بجريرة أصحاب المنهج الباطل؟
إن من أعظم الفتن التي يفتن بها الشيطان العباد , فتنة التزيين و لبس الحق بالباطل , و إتباع الهوى في ذلك , و لقد وقع في هذا الشَرَكِ الخطير كثير من الناس ؛ و خاصة في زماننا هذا , زمان الفتن التي تموج موج البحر ,
و زمان الخداع و النفاق و الدجل و الرياء !
فتسمع بين الفينة و الأخرى من يلمز أهل الاستقامة , و يصفهم بالمتطرفين , و أصبحت الأنظار بعد الأحداث تتوجه لأهل الاستقامة , فأصبح البعض يتنازل عن مبادئه و مسلماته , لكي لا يدخل في دائرة الاتهام ,
و كأن كلام الناس هو الحق المطلق , و نسي أو تناسى الكثير أن المصطفى (ص) بذل و ضحى , و صبر و صابر , و لم يتراجع عن دينه و مبادئه لأجل قول فلان و فلان , بل أوذي أشد الأذى ليتراجع عن دعوته فأبى صلوات الله و سلامه عليه ففي شوال سنة عشر من النبوة خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، فلما انتهي إلى الطائف , جلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى نصرة الإسلام، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا : اخرج من بلادنا . وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء . وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجَاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف .
فلم تزده المصائب , و لم يزه الأذى , و لم يزه المستهزئون إلا ثباتاً على مبادئه .
و أما المنافقين الذين هم اكبر المروجين لهذه المقولات الكاذبة , لأنها تحقق مطالبهم , فهم يحاربون الدين تحت ستار الدفاع عنه , و لا يعرفهم و يواجههم غير العلماء الربانيين , و الدعاة الصادقين , فقد واجههم صلوات الله و سلامه عليه , و يجب علينا أن نقف في وجوههم لنحول بينهم و بين مطالبهم السافلة , فهم أشد عداءاً للدين ؛ من اليهود المعتدين و النصارى الحاقدين, و قد جعل المصطفى (ص) التصدي لهم جهادا فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " . رواه مسلم
فما خُذلت الأمة في القديم والحديث حتى ضاع مجدها، وأفل نجمها، واضمحلت سيادتها، وامتهنت كرامتها، وفقدت كثيرا من أراضيها وثرواتها إلا على أيدي المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ويبدون النصح وهم يخونون.. بهم ضاعت ممالك الأندلس، وعلى أيديهم سقطت خلافة بني العباس في أيدي التتر، حتى جيء بآخر الخلفاء العباسيين فألقي تحت أقدام هولاكو وجنده يرفسونه ويدوسونه حتى مات، وبالمنافقين سقطت دولة بني عثمان، ومزقت دولة الإسلام العظيمة إلى دول مجزأة ترزح تحت الاستعمار النصراني .
بالمنافقين امتطى الأعداء دول الإسلام دولة دولة ومزقوها شر ممزق، فحرفوا دينها، وأفسدوا مناهجها، وقضوا على أوقافها، وحرَّشوا بينها.
بالمنافقين انتهكت سيادة الأمة واستقلاليتها، وأضحت عالة على غيرها.. لقد أضعفوها بعد القوة، وأذلوها بعد العزة، وأفقروها بعد الجدة، وأكثر الفقر والعوز في الأرض مرتكز في دول أهل الإسلام ، رغم امتلاكهم أكثر الثروات .
فاللهم رد كيد المنافقين في نحورهم , و اكف المؤمنين شرورهم , و اكشف اللهم سترهم , فأنك أعلم بهم , و أقدر عليهم يا رحمن يا رحيم.
أقول ما سمعتم .....





الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه و الشكر له على توفيقه وامتنانه و اشهد أن لا إلهإلا هو تعظيماً لشأنه و اشهد أن محمد عبد الله و رسوله الداعي على رضوانه صلى الله عليه و على له و صحبه و سلم تسليما مزيدا على يوم الدين .
أما بعــــد
فيا عباد الله
إن مما يؤلم الدعاة إلى الله , أن البعض يتركون السبيل الواضح , و الطريق المستقيم , لا لأجل شيء غير الخوف من التهم الباطلة , و الدعاوى الكاذبة , بل إن بعض الآباء لا يريد من ابنه أن يستقيم لأجل ذلك , فإذا رأى من ابنه إقبالا على الدين , و رغبة فيما عند رب العالمين , بدأ يخاف و يحذر , و كأن دين الله هو دين التطرف و الغلو , بل منهم من يقول أريد أن يكون ابني في منزلة بين المنزلتين , لا أريده أن يستقيم و لا أريده أن ينحرف , و إذا سألته لماذا ؟ لكان الجواب : خوفاً من التطرف !
فوا عجباً كيف يحكم البعض بدون دليل و لا حجة , و الله يقول { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } , و لو قلب العاقل ناظره , فضلاً عن فكره و بحثه , يمنة و يسره , لعلم الحق بدون أدنى غبش أو غبار , و لكن البعض لا يريد أن يعرف , فضلا عن البحث و التحري .
و لكن ليعلم كل أحد , أن المنهج الحق هو منهج محمد (ص) و منهج أصاحبه و السائرين على نهجهم من السلف الصالح .
فكل سائر على خطاهم ؛ فهو على الحق , و كل مخالف لهم فهو على الباطل , غضب من غضب و رضي من رضي , فلا تجعل دينك يا عبد الله ؛ تبعاً لهواك , و تبعاً لمصالحك الدنيوية , بل كن ثابتاً كالجبال الراسية, لا تغيره الظروف , و لا تزعزعه العواصف , لأن هذا هو نهج محمد (ص) .
اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك , و اجعلنا ممن سار على خطى محمد (ص), و اهد شباب المسلمين لما فيه خير و صلاح و ورد ضالهم غليك رداً جميلا يا رب العالمين .
اللهم و اكفنا شر الأشرار , و كيد الفجار , و شر طوارق الليل و النهار يا ذا الجلال و الإكرام .
هذا و صلوا و سلموا .....

بواسطة : التحرير
 0  0  2533