العيص بين الخوف و الرجاء
العيص بين الخوف و الرجاء
20/5/1430
20/5/1430
الحمد لله القوي القهار، العزيز الجبار؛ يُرِي عبادَه من آياته ما يدل على عظمته، ويحرك فيهم من جنده ما يدل على قدرته [وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ الله تُنْكِرُونَ] {غافر:81} نحمده على وافر نعمه، وجزيل فضله، ما من خير إلا وهو سابغه، ولا كرب إلا وهو كاشفه، ولا بلاء إلا وهو رافعه [قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ] {الأنعام:63-64} وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ سبقت رحمته غضبه فرحم عباده، وأملى للعاصين وأمهلهم، ولو عاملهم بعدله لعجَّل لهم العذاب فأهلكهم [وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ] {النحل:61} وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله؛ كان يدعو عند الكرب فيقول:«لَا إِلَهَ إلا الله الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إلا الله رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إلا الله رَبُّ السماوات وَرَبُّ الأرض وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وحاسبوا أنفسكم، وارجعوا إلى دينكم، واعتبروا بآيات الله تعالى فيكم، واتعظوا بِنُذُرِ الله تعالى إليكم، وإياكم أن تسلكوا مسلك من قال الله تعالى فيهم [وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ] {القمر:36} فكانت نتيجة عنادهم واستكبارهم ما قص الله تعالى علينا بقوله سبحانه [وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ] {القمر:38}.
إياكم -يا عباد الله- أن تغتروا بإمهال الله تعالى ، فعسى أن لا يكون ذلك استدراجا يعقبه العذاب؛ فقد قال سبحانه في أقوام [وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ] {الأعراف:182-183}.
والمخاطر التي تحيط بالناس لا تحصى آثارها، والأحداث المتوقعة تُنذر بعواقب لا يعلم مداها إلا الله تعالى سياسيا واقتصاديا وأمنيا.. هذا غير الكوارث الكونية المفاجئة، فليس ثَمَّ إلا لطف الله تعالى بعباده، وحفظه لهم، وإحسانه إليهم [وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {الأنعام:17}.
أيها الناس
حين خلق الله تعالى خلقه لم يخلقهم من حاجة إليهم ليستكثر بهم من قلة، أو ليقوى بهم من ضعف، فقد كان سبحانه وتعالى ولا شيء قبله، والمخلوق أعجز من أن ينفع الخالق أو يضره شيئا «يا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي».
فلو أراد الله أن يهلكهم لأهلكهم [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ] {فاطر:16-17} .
إن قدرة الله تعالى فوق ما يظن الخلق، وأمره سبحانه لا يرده شيء؛ فقضاؤه نافذ، وحكمه لازم [وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالبَصَرِ] {القمر:50} [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] {يس:82} ولو أراد سبحانه لأرسل عذابه على عباده [قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ] {الأنعام:65} قال سبحانه في المكذبين من قريش [وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ] {المؤمنون:95} وفي آية أخرى [فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ] {الزُّخرف:42}.
وقد أخبرنا سبحانه بوقوع عذابه على بعض عباده، وعذابه سبحانه قد يصيب العباد في الدنيا، وقد يؤخر لهم في الآخرة، وقد يجمع الله تعالى لبعض عباده عذاب الدنيا مع عذاب الآخرة؛ كما أهلك سبحانه المكذبين وتوعدهم في الآخرة بالعذاب الأليم، وعذاب الله تعالى لا يمنع منه حذر محاذر، ولا يرده حرص حريص، ولا ينجي منه استخفاء ولا احتراز، ولا تقف أمامه قوة مهما كانت، ولا يدفعه أحد مهما بلغ [إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ]
ولله تعالى جنود كثيرة يأمر سبحانه ما شاء منها فتسير بأمر الله سبحانه إلى من كُتب هلاكُهم فلا تُبقي منهم ولا تذر [وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا] {الفتح:7} [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ] {المدَّثر:31}.
عباد الله
ها نحن في هذه الأيام نسمع عن اهتزازات أرضية متتابعة - بمحافظة العيص و هي قريبة من مدينة رسول الله (ص) - اهتزازات منذ عشرة أيام أو أكثر، والناس في خوف شديد بسبب الأصوات المفزعة التي تصدر من باطن الأرض تحت الجبال، ويخشون ثورة البركان، فالحرارة جاوزت في موقع الحدث47درجة ، وبلغ عدد الهزات2000 هزة خفيفة , منها 6 هزات قوية اهتزت بها المباني وتصدعت جدرانها، وذكر أن النساء والأطفال في ذعر شديد، وبكاء متواصل طيلة الأيام الماضية وأن الأصوات المفزعة الصادرة من الجبال تزيد في رعبهم، ولا ينامون الليل بسبب ذلك، ويحتمل خلال الأيام المقبلة إجلاء ما يقرب من ستين ألفا من أهل القرى القريبة من الحدث، ويطلبونا منا جميعا الدعاء لهم في محنتهم تلك. فنسأل الله تعالى أن يحفظهم بحفظه، وأن يكلأهم بعنايته وأن يفرج كربتهم، إنه سميع قريب .
عباد الله
إن قدرة المولى جل في علاه لا يحجبها شيء و لا يمنعها أحد , فما أراده الله كان , وما لم يرده لم يكن , {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }الأنبياء23
هو القوي القهار هو العزيز الجبار .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلميقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض) متفق عليه.
وقد كانت تعلو النبي صلى الله عليه وسلم هيبة عظيمة، وإجلال كبير لله تعالى وهو يحدث أصحابه بذلك، ويحكي لهم شيئا من عظمة الله تعالى وقدرته؛ كما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: أنا الله، ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم)رواه مسلم.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن ألا كخردلة في يد أحدكم، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: بقضها وقضيضها كأنها جوزة في يده.
وهو سبحانه بين لنا من عظمته بقدر ما نعقله، وإلا فعظمته عز وجل فوق ما نتصور، لا يحدها حد، ولا يحيط بها عقل، ولا يدركها أحد؛ ومهما وصفوه فلن يقدروه قدره، ولن يعظموه حق عظمته، فسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
أرزاق العباد وآجالهم بيده سبحانه، واستقرارهم في الأرض وعيشهم فيها بأمره تعالى لا بأمر أحد سواه، ولو شاء لأطبق السماء على الأرض فسحق من فيها، ولو شاء لطوى الأرض على من فيها فأهلكهم، كيف؟ وهو يطويها بيده يوم القيامة، ولكنه عز وجل رءوف بعباده، يؤخرهم ولا يستعجلهم، ويعفو عنهم ولا يعذبهم [وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ] {الحج:65}
إنه سبحانه قادر على أن يسلط على من أراد جنده ؛ فيعذبونهم ويهلكونهم، ولا يذرون منهم أحدا[وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا] {الفتح:7} [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ] {المدَّثر:31}
وقادر عز وجل على أن ينزل عليهم العذاب من السماء، وقادر على أن يحدثه لهم من الأرض، ولا حيلة لهم في شيء من ذلك، وقادر سبحانه على أن يجعل عذابهم بأيديهم [قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ] {الأنعام:65}
وقيل للنبي عليه الصلاة والسلام لما كذبه قومه[وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ] {المؤمنون:95} وفي الزخرف[فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ] {الزُّخرف:42}.
وقد رأى العالم كله ما تخلفه الزلازل والأعاصير والفيضانات من دمار كبير في الأرض، تأتي بأمر الله عز وجل في ثوان أو دقائق، وفي جزء قليل من الأرض، فإذا القتلى والجرحى بالمئات [إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ] {الطُّور:8}
أيها المسلمون
حين يصيب الله تعالى بعض عباده بالكوارث والنكبات، أو يخوفهم بالنذر والآيات فإنه سبحانه يوقظهم من رقدتهم، وينبههم من غفلتهم، وييسر لهم أسباب الرجوع إليه، والإقبال عليه، ومع ذلك فإنه لم يتغير حال كثير من الناس، ولم يخشوا عقوبة الله تعالى، ولم ينظروا إلى هذا النذير الكوني الرباني نظرة عبرة واتعاظ تقود إلى الإقلاع عن الذنوب، والتوبة النصوح؛ إذ في وقت الخطر و نحن في وقت الخطر ولا نعلم أتقع هزة في العيص و بركانا , أم تقع هنا و هناك , فلربما صرف الله عنهم عذابه ؛ لرجوعهم و توبتهم واستغفارهم , فقد ذكر عنهم في هذا الحدث ؛ إقبالهم على الله , فقلوبهم تعلقت بالله لا بأحد سواه , فهم يجأرون إلى الله , و يستجيرون بالله و يسألون الله , فقد يرحمهم الله
و يرصرف عنهم السوء ؛ ثم يرسله على أقوام ما ازدادوا بنذر الله إلا بعداً وإعراضا , أوليس الإعلام يرقص ويغني بشاشاته وإذاعاته، لم يتغير شيء من برامجه، أوليس أهل الملاهي والمعاصي في معاصيهم وملاهيهم ,
هل أخذنا عهد من الله أن لا يعذبنا ؟ ألا نخاف وهذا محمد (ص) كان «إذا كان يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذلك في وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فإذا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عنه ذلك قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَسَأَلْتُهُ، فقال: إني خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ على أُمَّتِي»رواه مسلم. هذا وهو يرى الغيم , فكيف بمن يسمع بالزلازل و البراكين .
بل رأينا من ظلم البشر أن فيهم من يعترضون على التفسير الديني للظواهر الكونية، ولا يؤمنون بالآيات الربانية، ويعزون ذلك إلى أسباب مادية بحتة، بعيدا عن الخوف من الله تعالى وخشيته ورهبته ، وهذه الفئة الملحدة في فكرها تسعى جادة لمنع الناس من تعظيم الله تعالى ، والحيلولة بينهم وبين دينهم، والجرأة على انتهاك الحرمات وقت النذر والآيات، لم تردعهم بوادر العذاب والعقوبات، فما حالهم إلا كحال من سبقوهم حين قالوا: هذا عارض ممطرنا، فكان لهم عذابا أليما، وهلاكا ماحقا.
إن الذنوب والمعاصي سبب لعذاب الله تعالى، وإن الإصرار عليها بعد تتابع النذر والآيات لمما يكون سببا في تعجيل العقوبات؛ فإن الله تعالى غيور على حرماته أن تنتهك، وإن من سنته عز وجل في عباده إنذارَهم قبل عذابهم، وفي الأمم الغابرة المعذبة توالت النذر عليهم قبل أن يعذبوا. وقد كثرت ذنوبنا، وقوي المفسدون منا، وقل المصلحون فينا، وتوالت علينا نذر ربنا؛ فما زادت كثيرا منا إلا عتوا ونفورا، ، فلنوقن بأن ما أصابنا ويصيبنا ؛ فإنما هو بما كسبت أيدينا، ولم يظلمنا ربنا طرفة عين [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] {الشُّورى:30} وقال سبحانه في الأمم الماضية [وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ] {الزُّخرف:76} وفي آية أخرى [وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ] {هود:117}
اللهم إنا نسألك أن تعفو عنا، وأن لا تعذبنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا، إنك أنت العفو الغفور.أقول ما سمعتم و استغفر الله .....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، نحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعــد
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، [وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {البقرة:196}
أيها المسلمون
يجب على المسلم أن لا تمر عليه هذه الحوادث الربانية الكونية وهو غافل عنها؛ فلقد تكررت وتنوعت في هذا العصر، وكان ضحاياها بعشرات الألوف، وخسائرها بألوف الملايين؛ وتخللها كثرة ملحوظة في الخسوف والكسوف، ما عهدها الناس من قبل، ومع بالغ الأسف فإن كثيرا من الناس تمر بهم هذه الآيات العظيمة المخوفة، فلا يأبهون بها، ولا يخافون العذاب، والمكذبون من الأمم السالفة ما أهلكوا إلا لما أمنوا مكر الله تعالى ولم يتعظوا بآياته التي خوفهم بها، فحق عليهم العذاب فعذبوا.
إن العلم المسبق بهذه الآيات، ورصد ظواهرها بالمراصد قد قلل من هيبتها عند كثير من الناس، وهذا من موت القلوب الذي يخشى معه نزول العذاب. وزاد الأمر سوءً أن كثيرا ممن يحللون أسباب هذه العقوبات الربانية، والظواهر الكونية، ويتكلمون فيها يرجعونها إلى أسباب أرضية أو جوية بحتة، غافلين أو متغافلين عن قدر الله تعالى وقدرته، وأنه سبحانه هو مقدرها ومقدر أسبابها، بل يتعمد بعضهم الإلحاد بالله تعالى حين ينفون قدر الله تعالى عنها، ويسخرون ممن يقررون أنها نذر وعقوبات، ولا يماري في كونها من آيات الله تعالى، وتقع بقدره وقدرته إلا زنديق ملحد، وقد أخبرنا ربنا جل جلاله أنه سبحانه وتعالى يخوفنا بآياته [وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا] {الإسراء:59}. كما أخبرنا عز وجل أن الكوارث التي تصيبنا إنما هي بسبب ذنوبنا [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] {الشُّورى:30}
فخذوا العبرة من هذه الأحداث الكونية، التي لا تخرج عن كونها آيات إنذار وتخويف من الله تعالى لكم، فاقبلوا عن الله تعالى نذره، والتزموا شريعته، وخذوا على أيدي المفسدين؛ لئلا يصيبكم ما أصاب غيركم. [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ] {فاطر:5} .هذا وصلوا وسلموا على نبيكم...